الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***
{وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)} {وَإِنَّهُ} وإن الله تعالى شاهد على كفر الإنسان أو الإنسان شاهد على أنه كنود. {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)} {الْخَيْرِ} الدنيا أو المال «ع» {لَشَدِيدٌ} لحب الخير أي زائد أو لشحيح بحق الله تعالى في المال «ح» فلان شديد أي شحيح. {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)} {بُعْثِرَ} أخرج من فيها من الأموات أو قلب أو بحث. {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)} {وَحُصِّلَ} ميز أو استخرج أو كشف. {الْقَارِعَةُ (1)} {الْقَارِعَةُ} العذاب لأنه يقرع أهل النار أو القيامة لقرعها بأهوالها. {مَا الْقَارِعَةُ (2)} {مَا الْقَارِعَةُ} تفخيماً لشأنها. {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)} {كَالْفَرَاشِ} الهمج الطائر من بعوض وغيره ومنه الجراد أو طير يتساقط في النار شبه تهافت الكفار في النار بتهافت الفراش فيها {الْمَبْثُوثِ} المبسوط أو المتفرق أو الذي يجول بعضه في بعض. {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)} {كَالْعِهْنِ} الصوف ذو الألوان شبهها في ضعفها وخفتها بالصوف المنفوش. {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)} {مَوَازِينُهُ} ميزان ذو كفتين توزن به الحسنات والسيئات أو الحساب أو الحجج والدلائل، والموازين: جمع ميزان أو موزون. {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} معيشة من المعاش مرضية وهي الجنة أو في نعيم دائم من العيش. {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)} {هَاوِيَةٌ} جهنم جعلها أُمّاً لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه سميت هاوية لبعد قعرها وهويه فيها أو أم رأسه هاوية في النار. {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} {أَلهَاكُمُ} أنساكم أو شغلكم عن طاعة الله وعبادته {التَّكَاثُرُ} بالمال والأولاد أو التفاخر بالقبائل في العشائر أو بالمعاش والتجارة. {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)} {زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} صرتم فيها زواراً ترجعون كرجوع الزائر إلى الجنة أو نار أو تفاخرت بنو سَهْم وبنو عبد مناف أنهم أكثر عدداً فكثرت بنو عبد مناف فقال بنو سَهْم إن البغي أهلكنا في الجاهلية فَعُدّوا الأحياء والأموات فَعَدُّهم فكثرت بنو سَهْم فنزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} يعني بالعدد {حَتَّى زُرْتُمُ} أي ذكرتم الموتى في المقابر. {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)} {كَلا} حقاً أو بمعنى «أَلاَ» {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديد ووعيد. {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)} {لَوْ تَعْلَمُونَ} الآن من البعث والجزاء ما ستعلمونه بعد الموت {عِلْمَ الْيَقِينِ} علم الموت الذي هو يقين لا يعترضه شك أو ما تعلمونه يقيناً بعد الموت من البعث والجزاء قاله ابن جريج. {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)} {لَتَرَوُنَّ} أيها الكفار أو عام لأن المؤمن يمر على صراطها. {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)} {عَيْنَ الْيَقِينِ} المشاهدة والعيان أو بمعنى الحق اليقين. {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} {النَّعِيمِ} الأمن والصحة أو الصحة والفراغ أو الإدراك بحواس السمع والبصر «ع» أو ملاذ المأكول والمشروب أو الغداء والعشاء «ح» أو ما أنعم عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم أو تخفيف الشرائع وتيسير القرآن أو شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم فيسأل الكافر تقريعاً والمؤمن تبشيراً بما جمع له من نعيم الدارين. {وَالْعَصْرِ (1)} {وَالْعَصْرِ} الدهر أو العشي ما بين الزوال إلى الغروب أو صلاة العصر. {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} {الإِنسَانَ} جنس {خُسْرٍ} هلاك أو شر أو نقص أو عقوبة. {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} {بِالْحَقِّ} بالله أو بالتوحيد أو القرآن {بِالصَّبْرِ} على طاعة الله تعالى أو فرائضه. {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} {هُمَزَةٍ} المغتاب واللُّمزة العيَّاب أو الهمزة الذي همز الناس بيده واللمزة الذي يلمزهم بلسانه أو الهمزة الذي يهمز الذي يلمز في وجهه إذا أقبل واللمزة الذي يلمز في خلفه إذا أدبر أو الهمزة الذي يعيب الناس جهراً بيد أو لسان واللمزة الذي يعيبهم سراً بعين أو حاجب نزلت في أبي بن خلف أو جميل بن عامر أو الأخنس بن شريق أو الوليد بن المغيرة أو عامة عند الأكثرين. {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)} {وَعَدَّدَهُ} أحصى عدده أو عَدَّد أنواعه أو أعده لما يكفيه من السنين أو اتخذ لماله من يرثه من أولاده. {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)} {أَخْلَدَهُ} يزيد في عمره أو يمنعه من الموت. {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)} {الْحُطَمَةُ} الباب السادس من أبواب جهنم أو الدرك الرابع منها أو جهنم نفسها لأنها تأكل ما ألقي فيها والحطمة الرجل الأكول أو لأنها تحطم ما فيها أي تكسره. {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)} {تَطَّلِعُ} قال الرسول صلى الله عليه سلم: «إن النار تأكل أهلها حتى إذا اطعلت على أفئدتهم انتهت ثم إذا صدروا تعود». {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)} {مُّؤْصَدَةٌ} مطبقه «ح» أو مغلقة بلغة قيس أو مسدودة الجوانب لا يفتح منها جانب فلا يدخلها روح ولا يخرج منها غم. {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)} {عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} موصدة بعمد ممدودة أو معذبون فيها بعمد ممددة أو العمد الممددة أغلال في أعناقهم «ع» أو قيود في أرجلهم أو في دهر ممدود. {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)} {أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر أو ألم تر آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل لأنه ما رأه وولد بعده بأربعين سنة أو ثلاث وعشرين سنة أو ولد عام الفيل أو يوم الفيل وسبب قصدهم لمكة أن أبرهة بن الصباح بنى بصنعاء كنيسة وأراد صرف حج العرب إليها فسمع بذلك رجل من كنانة فخرج فأتاها ليلاً فأحدث فيها فبلغ أبرهة فحلف بالله تعالى ليهدمن الكعبة فسار إليها بالفيل. أو خرج فتية من قريش تجاراً إلى الحبشة فنزلوا على ساحل البحر على بيعة للنصارى فأوقدوا ناراً لطعامهم وتركوها وارتحلوا فهبت ريح فأحرقت البيعة فبلغ النجاشي فاستشاط غضباً فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شراحيل وأبو يكسوم الكنديون وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة وكان أبرهة صاحب جيش النجاشي وأبو يكسوم نديم أو وزير وحجر بن شراحيل من قواده فساروا بالجيش ومعهم فيل واحد عند الأكثر أو كانت ثمانية فيلة فأهلكهم الله عز وجل فرجع منهم أبرهة إلى اليمن فهلك في الطريق. {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)} {كَيْدَهُمْ} لقريش بإرادة قتلهم وسبيهم وتخريب الكعبة. {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)} {طَيْراً} من السماء لم ير قبلها ولا بعدها مثلها وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنها بين السماء والأرض تعشش وتفرخ أو هي العنقاء المغربة التي يضرب بها الأمثال قاله عكرمة أو من طير السماء أرسلت من ناحية البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره قيل كانت سوداً خضر المناقير طوال الأعناق أو كانت أشباه الوطاويط حمراً وسوداً أو أشباه الخطاطيف وسئل أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عنها فقال حمام مكة منها. {أَبَابِيلَ} كثيرة «ح» أو متتابعة يتبع بضعها بعضاً «ع» أو متفرقة من ها هنا ومن ها هنا أو مختلفة الألوان أو جمعاً بعد جمع أو أخذت من الإبل المؤبلة وهي الأقاطيع ولا واحد للأبابيل من جنسه أو واحدة إبالة وأبول أو أبيل. {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)} {سِجِّيلٍ} كلمة فارسية سنك وكل أولها حجر وآخرها طين «ع» أو الشديد أو اسم للسماء الدنيا نسب الحجارة إليها لنزولها منها أو اسم بحر في الهواء جاءت منه الحجارة وكانت كحصى الخذف أو فوق العدسة ودون الحمصة قال أبو صالح رأيت في دار أم هانىء نحو قفيز منها مخططة بحمرة كأنها الجزع ولما رمتها الطير أرسل الله تعالى ريحاً فضربتها فزادتها شدة فلم تقع على أحد إلا هلك. {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)} {كَعَصْفٍ} ورق الزرع {مَّأْكُولٍ} أكلته الدود «ع» أو الطعام أو قشر الحنطة إذا أكل ما فيه أو ورق البقل إذا أكلته البهائم فراثته أو العصف التبن والمأكول القصيل يجز للدواب فعل الله تعالى ذلك بهم معجزة لنبي كان في ذلك الزمان قيل هو خالد بن سنان أو توطيداً لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه ولد في عامه أو في يومه. {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)} {لإِيلافِ} مأخوذ من ألف يألف وهي العادة المألوفة لإيلاف نعمتي على قريش لأن نعمته إلفة لهم «ع» أو لإيلاف الله تعالى لهم لأنه آلفهم إيلافاً قاله الخليل أو يلافهم حرمي وقيامهم ببيتي «ح» أو لإيلافهم الرحلتين واللام معلقة بقوله {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ} [الفيل: 5] أي ليلافهم أهلك أصحاب الفيل وكان عمر وأبي رضي الله تعالى عنهما يريانهما سورة واحدة لا يفصلان بينهما أو اللام متعلقة بقوله تعالى {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} أي لنعمتي عليهم فليعبدوا قاله أهل البصرة {قُرَيْشٍ} بنو النضر بن كنانة على المشهور أو بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وكانوا متفرقين في غير الحرم فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم فاتخذوه مسكناً قال الشاعر: أبونا قصي كان يدعى مجمعا *** به جمع الله القبائل من فهر فسموا قريشاً لاجتماعهم بعد الفرقة والتقريش الجمع أو كانوا تجاراً يأكلون من مكاسبهم والتقريش الكسب أو كانوا يفتشون الحاج عن ذي الخلة فيسدون خلته والقرش الفتش أو قريش اسم دابة في البحر سيمت بها قريش لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى «ع» قال الشاعر معنى ذلك: قريش هي التي تسكن البحر *** بها سميت قريش قريشا {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)} {رِحْلَةَ الشِّتَآءِ} الرحلة: السفرة لما فيها من الارتحال كانوا يرتحلونهما للتجارة والكسب. والرحلتان إلى فلسطين رحلة الشتاء في البحر وأيلة طلباً للدفء ورحلة الصيف على بصرى وأذرعات طلباً للهواء أو رحلة الشتاء إلى اليمن لأنها حامية ورحلة الصيف إلى الشام لأنها باردة مَنَّ عليهم بذلك لأنهم كانوا يسافرون في العرب آمنين لكونهم أهل الحرم أو لأنهم يكسبون فيتوسعون ويصلون ويطعمون أو أراد بالرحلتين أنهم كانوا يشتون بمكة لدفاءتها ويصيفون بالطائف لهوائها «ع» قال الشاعر: تشتوا بمكة نعمة *** ومصيفها بالطائف وهذه نعمة جليلة فذكروا بها. {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3)} {رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} مَيَّز نفسه عن أوثانهم بإضافة البيت إليه أو فذكره تذكيراً لنعمه لشرفهم بالبيت على سائر العرب. {فَلْيَعْبُدُواْ} فليألفوا عبادته كما ألفوا الرحلتين أو فليعبدوه لإنعامه عليهم بالرحلتين أو فليعبدوه لأنه {أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ} الآية أو فليتركوا الرحلتين لعبادة رب هذا البيت فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف. {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} {أَطْعَمَهُم} بما أعطاهم من الأموال وساق إليهم من الأرزاق أو بإجابة دعوة إبراهيم لما قال {وارزقهم مِّنَ الثمرات} [إبراهيم: 37] أو أصابهم جوع في الجاهلية فحملت إليهم الحبشة طعاماً فخافوهم فخرجوا إليه متحرزين فإذا بهم قد جلبوا لهم الطعام وأعانوهم بالأقوات. {مِّنْ خَوْفٍ} العرب أن تقتلهم أو تسبيهم تعظيماً للبيت ولما سبق من دعوة إبراهيم {اجعل هذا البلد آمِناً} [إبراهيم: 35] أو من خوف الحبشة مع الفيل أو من خوف الجذام أو آمنهم أن تكون الخلافة إلا فيهم. قاله علي. {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)} {بِالدِّينِ} الحساب أو حكم الله «ع» أو الجزاء نزلت في العاص بن وائل أو الوليد بن المغيرة أو أبي جهل أو عمرو بن عائذ أو أبي سفيان نحر جزوراً فأتاه يتيم فسأله منها فقرعه بعصا. {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)} {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} يحقره أو يظلمه أو يدفعه دفعاً شديداً عن حقه وماله ظلماً وطمعاً فيه أو إبعاداً له وزجراً. {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)} {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} فيه إضمار تقديره إن صلاها لوقتها لم يرجُ ثوابها وإن صلاها لغير وقتها لم يخش عقابها وهو المنافق «ح» أو لا إضمار فيه وتمامها بقوله {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} {سَاهُونَ} لاهون أو غافلون أو لا يصليها سراً بل علانية «ح» أو الملتفت يمنة ويسرة في صلاته هواناً بها أو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله أو الذي يؤخرها عن مواقيتها مأثور. {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)} {يُرَآءُونَ} المنافق يصلي مع الناس ولا يصلي إذا خَلاَ «ع» أو عامة في أهل الرياء. {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} {الْمَاعُونَ} الزكاة أو المعروف أو الطاعة أو المال بلسان قريش أو الماء إذا احتيج إليه ومنه المعين الماء الجاري أو ما يتعاوره الناس بينهم كالدلو والقدر والفأس وما يوقد أو الحق أو المستغل من منافع الأموال من المعن وهو القليل. {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} {الْكَوْثَرَ} النبوة والقرآن أو الإسلام أو نهر في الجنة مأثور أو حوضه يوم القيامة أو كثرة أمته أو الإيثار أو رفعة الذكر وهو فوعل من الكثرة. {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} {فَصَلِّ} الصبح بمزدلفة أو صلاة العيد أو اشكر ربك {وَانْحَرْ} الهدي أو الأضحية أو وأسل أو وضع اليمين على الشمال عند النحر في الصلاة «ع» أو رفع اليدين في التكبير إلى النحر أو استقبال القبلة في الصلاة بنحره. {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} {شَانِئَكَ} مبغضك أو عدوك {الأَبْتَرُ} الحقير الذليل أو الفرد الوحيد أوَ ألاَّ خير فيه حتى صار منه أبتر مأثور أو كانت قريش تقول لمن مات ذكور أولاده بتر فلان فلما مات للرسول ابنه القاسم بمكة وإبراهيم بالمدينة قالوا قد بتر محمد فليس له من يقوم بأمره من بعده أو لما دعا قريشاً إلى الإيمان قالوا ابتتر منا محمد أي خالفنا وانقطع عنا فأخبر الله أنهم هم المبترون. نزلت في أبي لهب وأبي جهل «ع» أو العاص بن وائل. {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف رسول الله فقالوا يا محمد هلم فلتعبدوا ما نعبد ونعبد ما تبعدون ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه وإن كان الذي بأيدنا خيراً مما بيدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه فنزلت. {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)} {وَلآ أَنتُمْ عَابِدُونَ} يعني المعنيين الذي التمسوا ذلك فإنهم لا يعبدون الله وليس بعامة لأن في الكفار من يؤمن وإنما نزلت جواباً لأولئك {لآ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الآن {وَلآ أَنَاْ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} في المستقبل {وَلآ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} الآن {وَلآ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} في المستقبل وقال ما أعبد ولم يقل من أعبد لتقابل الكلام. {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} {لَكُمْ دِينُكُمْ} الكفر {وَلِىَ} الإسلام، أو لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني تهديد معناه وكفى بجزائكم عقاباً وبجزائي ثواباً. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} {نَصْرُ} المعونة نصر الغيث الأرض أعان على نباتها ومنع قحطها يريد نصره على قريش أو على كل من قاتله من الكفار. {وَالْفَتْحُ} فتح مكة «ح» أو فتح المدائن والقصور «ع» أو ما فتح عليه من العلوم. {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)} {النَّاسَ يَدْخُلُونَ} أهل اليمن أو كل من دخل في الإسلام. قال الحسن لما فتحت مكة قالت العرب بعضها لبعض لا يدان لكم هؤلاء القوم فجعلوا يدخلون في دين الله أفواجاً أمة أمة قال الضحاك: الأمة أربعون رجلاً. {أفْوَاجاً} زمراً «ع» أو قبائل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وسيخرجون منه أفواجاً». {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} {فَسَبِّحْ} فَصَلِّ {وَاسْتَغْفِرْهُ} داوم ذكره «ع» أو صريح التسبح والاستغفار من الذنوب فكان يكثر بعدها أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي {تَوَّاباً} قابلا للتوبة أو متجاوزاً عن الصغائر وأمر بذلك شكراً لله على نعمته من النصر والفتح أو نعى إليه نفسه ليجتهد في العمل قال ابن عباس داعٍ من الله ووداعٍ من الدنيا فلم يلبث بعدها إلاَّ سنتين مستديماً لما أمره به من التسبيح والاستغفار أو سنة واحدة فنزل في حجة الوداع {اليوم أَكْمَلْتُ} [المائدة: 3] فعاش بعدها ثمانين يوماً فنزلة آية الكلالة وهي آية الصيف فعاش بعدها خمسين يوماً «ع» فنزلت {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ} [التوبة: 128] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً فنزلت: {واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ} [البقرة: 281] فعاش بعدها أحدا وعشرين يوماً أو سبعة أيام. {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} {تَبَّتْ} خابت «ع» أو ضلت أو [صفرت] من كل خير أو خسرت {يَدَآ} عبر بيديه عن نفسه {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] أو عن عمله لأن العمل يكون بهما في الأغلب {أَبِى لَهَبٍ} كنوه بذلك لحسنه وتلهب وجنتيه وذكره الله تعالى بكنيته لأنها أشهر من اسمه أو عدل عن اسمه لأنه كان اسمه عبد العزى أو لأن الاسم أشرف من الكنية لأن الكنية إشارة إليه باسم غيره وكذلك دعا الله تعالى أنبياءه بأسمائهم {وَتَبَّ} تأكيد للأول أو قد تب أو تبت يداه بما منعه الله من أذى رسوله صلى الله عليه وسلم وتب بماله عند الله تعالى من العقاب أو تب ولد أبي لهب، تبت يداه عن التوحيد «ع» أو من الخيرات. {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)} {مَآ أَغْنَى} ما دفع أو ما نفع {مَالُهُ} غنمه كان صاحب سائمة أو «تليدة أو طارفة» {وَمَا كَسَبَ} عمله الخبيب أو ولده «ع» قال الرسول صلى الله عليه وسلم «أولادكم من كسبكم» وكان ابنه عتبة مبالغاً في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم وقال كفرت بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى وتفل في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم سلط عليه كلباً من كلابك» فأكله الذئب. فلم يغن عنه ماله وكسبه في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في دفع النار يوم القيامة. {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)} {سَيَصْلَى} سين الوعيد أو بمعنى سوف يصلى يكون صلىً لها حطباً لها ووقوداً أو تصليه النار أي تنضجه «ع» {لَهَبٍ} ارتفاع أو قوة واشتعال وهذه صفة مضارعة لكنيته وعده الله تعالى بأنه يدخل النار بكفرة أو يموت على كفره فكان كما أخبر. {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)} {وَامْرَأَتُهُ} أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} تحتطب الشوك فتلقيه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ليلاً «ع» أو كانت تعير الرسول صلى الله عليه وسلم بالفقر [وكانت تحطب فعيّرت بأنها كانت تحطب أو] لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى به أو لأنها كانت تمشي بالنميمة وسمي النمام حمالاً للحطب لأنه يشعل العداوة كما يشعل الحطب النار أو جعل ما حملته من الإثم في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم كالحطب في مصيره إلى النار فيكون عذاباً. {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} {فِى جِيدِهَا} يوم القيامة. جيدها: عنقها {حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعاً سميت مسداً لأنها ممسودة أي مفتولة أو حبل من ليف المقل أو قلادة من ودع على وجه التعيير لها أو حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها «ح» فعيرت بذلك أو قلاده جوهر فاخر قالت لأنفقنها في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم أو عبر بذلك عن خذلانها كالمربوطة عن الإيمان بحبل من مسد ولما نزلت أقبلت تولول وبيدها فِهْر وهي تقول: مذمماً أبينا *** ودينه قلينا وأمره عصينا *** والرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه في المسجد فقال يا رسول الله إني أخاف أن تراك فقال إنها لن تراني وقرأ قرآناً اعتصم به فلم تره فقالت لأبي بكر رضي الله تعالى عنه إني أخبرت أن صاحبك هجاني فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفاني الله تعالى شرها» فعثرت في مرطها فقالت: تعس مذمم. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} {أَحَدٌ} الأحد المنفرد بصفاته فلا شبْه له ولا مثل تقديره الأحد فحذفت الألف واللام أو ليس بنكرة وإنما هو بيان وترجمة قال المبرد: الأحد والواحد سواء أو الأحد الذي لا يدخل في العدد والواحد يدخل في العدد لأنك تقول للواحد ثانياً أو الأحد يستوعب جنسه والواحد لا يستوعبه لأنك لو قلت فلان لا يقاومه أحد لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر فالأحد أبلغ من الواحد وسميت سورة الإخلاص لأن قراءتها خلاص من عذاب الله [أو] لأن فيها إخلاص الله تعالى من شريك وولد أو لانها خالصة لله تعالى ليس فيها أمر ولا نهي. {اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} {الصَّمَدُ} المصمت الذي لا جوف له أو الذي لا يأكل ولا يشرب أو الباقي الذي لا يفنى أو الدائم الذي لم يزل ولا يزال أو الذي لم يلد ولم يولد أو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم. ألا بَكَر الناعي بخير بني أسد *** بعمرو بن مسعود [وبالسيد] الصمد أو السيِّد الذي انتهى سؤدده أو الكامل الذي لا عيب فيه أو المقصود إليه في الرغائب والمستعان به في المصائب أو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد أو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)} {لَمْ يَلِدْ} فيكون والداً {وَلَمْ يُولَدْ} فيكون ولداً «ع» أو لم يلد فيكون في العز مشاركاً ولم يولد فيكون موروثاً هالكاً لأنهما صفتا نقص أو لأنه لا مثل له فلو ولد لكان له مثل. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} {كُفُواً} لا مثل له ولا عديل أو لا يكافئه من خلقه أحد أو نفى عنه الصاحبة. {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} {الْفَلَقِ} اسم لجهنم أو لسجن فيها «ع» أو الخلق كلهم أو فلق الصبح أو الجبال والصخور تنفلق بالمياه أو كل ما انفلق عن كل ما خلق من صبح وحيوان وصخور [وجبال] وحب ونوى وكل شيء من نبات وغيره وأصل الفلق الشق الواسع قيل للصبح فلق لانفلاق الظلام عنه كما قيل له فجر لانفجار الضوء منه والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين. {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} {شّرِّ مَا خَلَقَ} جهنم أو إبليس وذريته أو عام من كل شرور الدنيا والآخرة أو التعوذ من شر موجب للعقاب أو عام في كل شر. {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)} {غَاسِقٍ} الشمس إذا غربت أو القمر إذا ولج في الظلام. نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القمر وقال لعائشة رضي الله تعالى عنها «تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب وهذا الغاسق إذا وقب» أو الثريا إذا سقطت لأن الأسقام والطواعين تكثر عند سقوطها وترتفع عند طلوعها أو الليل لخروج السباع والهوام فيه وينبعث أهل الشر على العبث والفساد «ع» {إِذَا وَقَبَ} أظلم «ع» أو دخل أو ذهب أصل الغسق الجريان غسقت القرحة جرى صديدها والغساق صديد أهل النار لجريانه وغسقت العين جرى دمعها بالضرر. {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} {النَّفَّاثَاتِ} السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر وربما فعل في الرقي مثل ذلك طلباً للشفاء والنفث النفخ في العقد بغير ريق والتفل النفخ فيها بريق وأثره تخييل للأذى والمرض أو يمرض ويؤذي لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله أو قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن الله تعالى به بعض عباده والأكثرون على أن الرسول صلى الله عليه وسلم سحر واستخرج وتراً فيه إحدى عشرة عقدة فأمر بحلها فكانت كلما حُلَّت عقدة وجد راحة حتى حلت العقد كلها فكأنما أنشط من عقال فنزلت المعوذتان إحدى عشرة آية بعدد العقد وأمر أن يتعوذ بهما ومنع آخرون من تأثير السحر في الرسول صلى الله عليه وسلم وإن جاز في غيره لما في استمراره من خبل العقل ولإنكار الله تعالى على من قال: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الإسراء: 47]. {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ} من شر نفسه وعينه أن يصيب بها أو لأن حسده يحلمه على الأذى و[الحسد]: تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم تصر للحاسد والمنافسة تمني مثلها فالمؤمن يغبط والمنافق يحسد. {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} {بِرَبِّ النَّاسِ} لما أمر بالاستعاذة من شرهم أخبر أنه هو الذي يعيذ منهم. {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)} {الْوَسْوَاسِ} وسوسة الإنسان التي تحدث بها نفسه وقد تجاوز الله عنها والشيطان جاثم على قلب ابن آدم إذا سَهَا وغَفَل وسوس وإذا ذكر الله تعالى خنس {الْخَنَّاسِ} الشيطان لكثرة اختفائه كقوله {فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس} [التكوير: 15] أي النجوم لاختفائها أو لأنه يرجع بالوسوسة عن الهدى أو يخرج بالوسوسة عن اليقين. {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)} {يُوَسْوِسُ} يدعوا إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل أو يقع في النفس من أمر متوهم وأصله الصوت الخفي. تَسْمَعُ للحَلْي وَسْوَاساً ***...................... {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} 6 - ( 6)} {مِنَ الْجِنَّةِ} من وسواس الشيطان كما ذكرت {وَالنَّاسِ} وسوسة الإنسان لنفسه أو إغواء من يغويه من الناس. والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
|